فصل: قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} معطوف على ما قبله، أي واسألهم وقت تأذن ربك، وتأذن تفعل من الأيذان، وهو الإعلام.
قال أبو علي الفارسي: آذن بالمد أعلم، وأذّن بالتشديد نادى.
وقال قوم: كلاهما بمعنى أعلم، كما يقال أيقن وتيقن، والمعنى في الآية: واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} قيل: وفي هذا الفعل معنى القسم كعلم الله، وشهد الله، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم، حيث قال: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} أي: ليرسلنّ عليهم، ويسلطن، كقوله: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: 5] {إلى يَوْمِ القيامة} غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم، وقد كانوا أقمأهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدي أهل الملل، وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية، في كل قطر من أقطار الأرض، في الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار، يسلمون الجزية بحقن دمائهم، ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التي يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار.
ومعنى {يَسُومُهُمْ}: يذيقهم.
وقد تقدّم بيان أصل معناه، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} يعاجل به في الدنيا كما وقع لهؤلاء {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: كثير الغفران والرحمة.
{وقطعناهم فِي الأرض} أي: فرّقناهم في جوانبها، أو شتتنا أمرهم، فلم تجتمع لهم كلمة، و{أُمَمًا} منتصب على الحال، أو مفعول ثان لقطعنا، على تضمينه معنى صيرنا، وجملة {مّنْهُمُ الصالحون} بدل من {أممًا}، قيل: هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدّل.
وقيل: هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدّم بيانه قبل هذا {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} أي: دون هذا الوصف الذي اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح، ومحل {دُونِ ذَلِكَ} الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: ومنهم أناس دون ذلك، والمراد بهؤلاء هم من لم يؤمن، بل انهمك في المخالفة لما أمره الله به.
قال النحاس {دُونِ} منصوب على الظرف، ولا نعلم أحدًا رفعه {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} أي: امتحناهم بالخير والشرّ رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصي.
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} المراد بهم: أولاد الذين قطعهم الله في الأرض.
قال أبو حاتم: الخلف بسكون اللام: الأولاد، الواحد والجمع سواء.
والخلف بفتح اللام البدل ولدًا كان أو غيره.
وقال ابن الأعرابي: الخلف بالفتح الصالح، وبالسكون الطالح.
قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

ومنه قيل للرديء من الكلام خلف بالسكون، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، ومنه قول حسان ابن ثابت:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ** لأوّلنا في طاعة الله تابع

{وَرِثُواْ الكتاب} أي: التوراة من أسلافهم يقرءونها ولا يعملون بها {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدّة حرصهم وقوّة نهمتهم، والأدنى: مأخوذ من الدنوّ، وهو القرب، أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى، وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء، وما هو مجعول لهم من السحت في مقابلة تحريفهم لكلمات الله، وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة، وكتمهم لما يكتمونه منها.
وقيل: إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط، أي إنهم يأخذون عرض الشيء الدنيء الساقط.
{وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} أي: يعللون أنفسهم بالمغفرة، مع تماديهم في الضلالة، وعدم رجوعهم إلى الحق.
وجملة {يَأْخُذُونَ} يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم، أو في محل نصب على الحال.
وجملة {يَقُولُونَ} معطوفة عليها، والمراد بهذا الكلام: التقريع والتوبيخ لهم، وجملة {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} في محل نصب على الحال، أي يتعللون بالمغفرة، والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذي كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة، ولا خائفين من التبعة.
وقيل: الضمير في {يَأْتِهِمْ} ليهود المدينة، أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد صلى الله عليه وسلم عرض مثل العرض الذي كان يأخذه أسلافهم، أخذوه كما أخذه أسلافهم.
{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} أي: التوراة {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقّ} والاستفهام للتقريع والتوبيخ، وجملة {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} معطوفة على {يُؤْخَذْ} على المعنى، وقيل: على {وَرِثُواْ الكتاب}، والأولى: أن تكون في محل نصب على الحال بتقدير قد.
والمعنى: أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب، والحال أن قد درسوا ما في الكتاب وعلموه، فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل، وذلك أشدّ ذنبًا وأعظم جرمًا.
وقيل: معنى {دَرَسُوا مَا فِيهِ} أي: محوه بترك العمل به والفهم له، من قولهم درست الريح الآثار: إذا محتها.
{والدار الآخرة خَيْرٌ} من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها {لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الله، ويجتنبون معاصيه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتعلمون بهذا وتفهمونه، وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره.
قوله: {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب} قرأ الجمهور {يمسكون} بالتشديد من مسك وتمسك، أي استمسك بالكتاب، وهو التوراة.
وقرأ أبو العالية، وعاصم، في رواية أبي بكر، بالتخفيف من أمسك يمسك.
وروي عن أبيّ بن كعب أنه قرأ {مسكوا} والمعنى: أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب، ولا يعملون بما فيه، مع كونهم قد درسوه وعرفوه، وهم من تقدّم ذكره.
وطائفة يتمسكون بالكتاب، أي التوراة ويعملون بما فيه، ويرجعون إليه في أمر دينهم، فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله، والموصول مبتدأ.
و{إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} خبره، أي لا نضيع أجر المصلحين منهم، وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة في سائر العبادات التي يفعلها المتمسكون بالتوراة، لأنها رأس العبادات وأعظمها، فكان ذلك وجهًا لتخصيصها بالذكر.
وقيل لأنها تقام في أوقات مخصوصة، والتمسك بالكتاب مستمرّ، فذكرت لهذا وفيه نظر.
فإن كل عبادة في الغالب تختصّ بوقت معين، ويجوز أن يكون الموصول معطوفًا على الموصول الذي قبله، وهو {للذين يتقون}، وتكون {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} جملة معترضة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} قال محمد وأمته إلى يوم القيامة وسوء العذاب: الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، قال: {سُوء العذاب} الخراج.
وفي قوله: {وقطعناهم} قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض، فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، في قوله: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} قال: على اليهود والنصارى {إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يأخذون منهم الجزية، وهم صاغرون {وقطعناهم فِي الأرض أُمَمًا} قال: يهود {مّنْهُمُ الصالحون} وهم مسلمة أهل الكتاب {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} قال: اليهود {وبلوناهم بالحسنات} قال: الرخاء والعافية {والسيئات} قال: البلاء والعقوبة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} بالخصب والجدب.
وأخرج أبو الشيخ، عنه، أنه سئل عن هذه الآية: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} قال: أقوام يقبلون على الدنيا، فيأكلونها، ويتبعون رخص القرآن {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} قال: النصارى {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} قال: ما أشرف لهم من شيء من الدنيا حلالًا أو حرامًا يشتهونه أخذوه، ويتمنون المغفرة، وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} الآية يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي زيد، في قوله: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} قال: علموا ما في الكتاب، لم يأتوه بجهالة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الحسن، في قوله: {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب} قال: هي لأهل الإيمان منهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب} قال: من اليهود والنصارى. اهـ.

.قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا، وَلَا أَعْلَمُ لِلْقِصَّةِ ذِكْرًا مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ الْمُقَدَّسَةِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَهَتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَمَا نَزَلْ عَلَيْهِ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ أَوْ لَمَا آمَنَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ إِذَا كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ مَا حُكِيَ لَهُمْ عَنِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ مُؤَكَّدًا بِلَامِ الْقَسَمِ، وَإِذَا قَالَ غَيْرُ الْمُسْلِمِ الْمُؤْمِنِ إِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى الْقِصَّةِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ أَوِ التَّارِيخِيَّةِ غَيْرِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِهِمْ قُلْنَا أَوَّلًا: إِنَّ آيَاتِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ هَذِهِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ أَحَدًا مِنَ الْيَهُودِ- وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَقْرَأِ الْكُتُبَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (29: 48) إِلَخْ. وَثَانِيًا: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَدِّقُهُمْ بَعْدَ مُعَاشَرَتِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ بِكُلِّ مَا يَحْكُونَ عَنْ كُتُبِهِمْ بَلْ كَذَّبَهُمْ عَنِ اللهِ تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ يُصَدِّقُهُمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ غَيْرَ مَنْقُولٍ عَنْ كُتُبِهِمْ بِالْأَوْلَى، وَهَاكَ تَفْسِيرَ الْآيَاتِ بِمَدْلُولِ أَلْفَاظِهَا، وَلَا نَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالسُّؤَالُ فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّقْرِيعِ، وَالْإِدْلَالِ بِعِلْمِ مَاضِيهِمْ. وَالْمَعْنَى: وَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ، رَاكِبَةً لِشَاطِئِهِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أَيِ اسْأَلْ عَنْ حَالِهِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانُوا يَعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ، وَيَتَجَاوَزُونَ حُكْمَ اللهِ بِالصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ فِيهِ إِذْ تَأْتِيهِمْ أَيْ سَمَكُهُمْ- وَلَا يَزَالُ أَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمَّوْنَ السَّمَكَةَ حُوتًا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، وَأَهْلُ سُورِيَّةَ يَخُصُّونَ السَّمَكَةَ الْكَبِيرَةَ بِاسْمِ الْحُوتِ- وَقَدْ أُضِيفَتِ الْحِيتَانُ إِلَيْهِمْ لَمَّا كَانَ مِنِ ابْتِلَائِهِمْ بِهَا، وَاحْتِيَالِهِمْ عَلَى صَيْدِهَا، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ أَيْ تَعْظِيمِهِمْ لِلسَّبْتِ، فَهُوَ مُصْدَرُ سَبَتَتِ الْيَهُودُ تُسْبِتُ إِذَا عَظَّمَتِ السَّبْتَ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِيهِ وَتَخْصِيصِهِ لِلْعِبَادَةِ {شُرَّعًا} أَيْ ظَاهِرَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ ظَاهِرَةً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ- وَهِيَ جَمْعُ شَارِعٍ كَالرُّكَّعِ السُّجَّدِ جَمْعِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، مِنْ شَرَعَ عَلَيْهِ إِذَا دَنَا وَأَشْرَفَ وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ أَيْ: وَلَا تَأْتِيهِمْ يَوْمَ لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ فِعْلًا وَتَرْكًا. قِيلَ: إِنَّهَا اعْتَادَتْ أَلَّا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لِصَيْدِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَمِنَتْ وَصَارَتْ تَظْهَرُ فِيهِ، وَتَخْفَى فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا يَسْبِتُونَ فِيهَا لَمَّا اعْتَادَتْ مِنِ اصْطِيَادِهَا فِيهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ظُهُورَهَا وَكَثْرَتَهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ أَغْرَاهُمْ ذَلِكَ بِالِاحْتِيَالِ عَلَى صَيْدِهَا فَفَعَلُوا.